ماهو النموذج النظريّ للترجمة العربيّة للنصّ الفلسفيّ؟

الترجمة، في جوهرها، هي عملية نقل المعنى من لغة إلى أخرى، بهدف توصيل فكر أو معنى معين.وهي أيضًا الجسر الحضاري الذي يربط بين الشعوب.

وقد شهدت الترجمة عبر التاريخ تطورًا ملحوظًا في نظرياتها ومناهجها، خاصة في العالم العربي، حيث برزت مساهمات قيّمة لمفكرين وفلاسفة عرب أمثال طه عبد الرحمن، الذي سنتحدث عنه وعن نظريته في هذه المقالة.

من هو طه عبدالرحمن؟

هو فيلسوف مغربي ، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق. ويجمع منهجه الفلسفي بين التحليل المنطقي والتشقيق اللغوي، مع الاستفادة من التجربة الصوفية، في إطار تقديم مفاهيم متصلة بالتراث الإسلامي ومستندة إلى أهم مكتسبات الفكر الغربي المعاصر.

يجيد طه عبدالرحمن التحدث بست لغات وهي العربية والفرنسية والإنجليزية و الألمانية واللاتينية واليونانية القديمة.

وقد حصل على العديد من الجوائز، منها جائزة المغرب للكتاب، وجائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة، وجائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية.

وفي إطار سعيه لتطوير نظرية عربية أصيلة للترجمة، قدم طه عبد الرحمن نموذجاً نظرياً للترجمة العربية للنص الفلسفي، في كتاب له يسمى “فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة”

السبب في ظهور الفلسفة هو إرادة إنسانية تمثلت في كون الإنسان قرر أن يستخدم العقل في تحصيل المعرفة بأسباب الوجود، بينما يبدو أن السبب في ظهور الترجمة هو إرادة إليه تجلت في كون الإله شاء أن تختلف الألسنة بين بني الإنسان وأن تنزل الصحف المقدسة ببعض منها

فقة الفلسفة- الفلسفة والترجمة ص 103

ما العلاقة بين الترجمة والفلسفة؟

يقول طه عبدالرحمن في كتابه “فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة” أن العلاقة بين الترجمة والفلسفة لها أربعة وجوه مختلفة: ترجمة الفلسفة، وفلسفة الترجمة، والترجمة الفلسفية، والفلسفة الترجمية.

  • ترجمة الفلسفة: وهي عملية نقل النصوص الفلسفية من لغتها الأصلية إلى لغات غيرها، باستخدام الطرق المعروفة في عملية الترجمة.
  • فلسفة الترجمة: وهي عبارة عن النظر الفلسفي في الترجمة من خلال ثلاثة جوانب، التي تعتبر من الخصائص الكلّية للترجمة، وهي: الجانب الوجودي، والجانب الأخلاقي، والجانب المعرفي.
  • الترجمة الفلسفية: وهي ممارسة الترجمة باتباع منهج يستمد مبادئه وخصائصه من بعض التقريرات المنهجية والحقاءئق التأملية التي تتميّز بها الفلسفة.
  • الفلسفة الترجمية: وهي النظر في القضايا الفلسفية، باتباع طريق يستند أصوله أو أوصافة من بعض التجارب التطبيقية والقوانين النظرية للترجمة.1

ماهو النموذج النظريّ للترجمة العربية للنصّ الفلسفي؟

لطه عبدالرحمن منهجًا ترجميًا يُعّرف حسبه مصطلحات نظريّات الترجمة المعاصرة، ويتمثل في مراعاة اللغة الهدف، وليس اللغة المصدر. وبناءً على هذا المنهج، أقام طه “النموذج النظري للترجمة العربية للنص الفلسفي“، والذي يفرّق فيه بين ثلاثة أنواع من الترجمة، وهي:

1- الترجمة التحصيليّة: تقتصر هذه الترجمة على نقل كل ما في النصوص الأصلية نقلًا حرفيًا من جهة الشكل والمضمون.

2- الترجمة التوصيليّة: تنقل هذه الترجمة كل ما لا يبدو فيه إخلال ظاهر بالقواعد اللغوية والأركان العقدية، مع التركيز على مضمون الأصل.

وعن أثر النوع الأول والثاني نقتبس قول طه عبدالرحمن من كتابه:

أن أثر الترجمة التوصيلية في المتلقي لا يختلف كثيرا عن أثر الترجمة التحصيلية فيه، فكلتاهما تحمله على أن يتلقى تعليمه الفلسفي منها، فيصير إلى التزود منها كما يتزود من مصدر لا غَناء عنه، إذ يحرص على أن لا يفوته من ألفاظه ولا من مضامينه شيء، منتهيا إلى التمسك بما استوعبه عقله منه، لا ينتقل أبدًا عنه إلى ما يخالفه، وقد لا يتصور إمكان مخالفته.

فقة الفلسفة ص 336

3- الترجمة التأصيليّة: تتميز هذه الترجمة بكونها لاتكتفي بنقل الأصل فحسب، بل تحاوره وتسائله، وتحوله أيضًا وفقًا لمقتضيات التداول لدي المتلقّي. ومعيار هذه الترجمة أما النجاح أو الفشل في تحفيز الفكر الفسلفي، وليس الأمانة والخيانة.2

ويرى طه عبد الرحمن أن الترجمة التأصيليّة هي المُثلى، إذ أنها لا تكتفي بنقل المعنى فحسب، بل تُعيد إنتاج النص في اللغة الهدف بطريقة تجعله أصيلاً فيها، مع مراعاة خصوصية كل من اللغتين وثقافتيهما.

ويقول طه عبدالرحمن أن الترجمة التأصيلية، وهي محور نظريته، تتميز عن الأنواع الأخرى بكونها تحفظ الصفات الأربع للفلسفة الحية، والتي تتمثل في: النموذجية، والقصدية، والاتساعية، والاتصالية.

ويؤكد أن المترجم الذي يستخدم الترجمة التأصيلية لا ينقل أكثر عناصر النص الفلسفي من أصول وفروع، بل ينقل أقل ما يمكن منها على نحو يقوّي عند المخاطب القدرة على التفلسف.

إن المترجم التأصيلي يستخدم في نقوله كل آليات التخريج والتغطية، مثل الحذف والإبدال والقلب والإضافة والمقابلة، فإنه لا يبقي من النص الفلسفي الأصلي إلا على الجزء الذي لا غنى له عنه ؛ وحيث إن هذا الجزء هو الجوهر الذي يتحدد به مضمون هذا النص، بحيث لو زيد حذفا لخرج عن أن يكون محددا له، فإن المترجم، يكون بنقله إلى لغة المتلقي، قد نقل أقل جزء ممكن من هذا النص ؛ ولا ضير في نقل هذا القليل، ما دام يحمل المتلقي على التفلسف بأقوى مما لو نُقل إليه من النص الكثير، لأن المقصود ليست معرفة كل ما في النص الأصلي، وإنما معرفة كيفية التفلسف ابتداء من هذا النص ؛ فقد يعرف المتلقي الكثير مما في الأصل، ولا يحدث عنده إلا القليل من التفلسف، وقد لا يعرف إلا القليل منه، لكن يأتي له بالكثير من التفلسف، لأن حظ الكثير المنقول من موافقة الأصول التداولية أقل من حظ القليل المنقول، وكل ما لا يوافق هذه الأصول، فلا مطمع في أن يحرك داعية المتلقي للتفلسف الحي.

فقة الفلسفة ص 358

المصادر:

  1. فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة ص (105-109) ↩︎
  2. بين التحويل والتأصيل: نظريّة الترجمة عند طه عبد الرحمن ↩︎

كُتب المقال ضمن تحدي رديف؛ تعرّف على رديف أكثر بالضغط هنا: أهلًا صديقنا المهتم/المهتمة بالاشتراك في رديف 👋


حقوق الصورة البارزة: أنشأتها بالذكاء الاصطناعي من ووردبريس

رأي واحد حول “ماهو النموذج النظريّ للترجمة العربيّة للنصّ الفلسفيّ؟

شاركني رأيك